ولدت كندرا وماليا في عام 2002 ملتصقتين في منطقة البطن
في أحد مستشفيات مدينة سالت ليك، ولدت طفلتان ملتصقتان معا في منطقة البطن. كان التوأم المسمى كندرا هيرين وماليا هيرين يعانيان من حالة نادرة تجعلهما يتشاركان في الحوض والكلى والكبد. على الرغم من الصعوبات التي لا تكاد تحصى، فقد تمكنتا من تجاوز مرحلة الحمل والولادة بسلام. لكن مع ذلك، حذر الأطباء والدي كندرا وماليا من أن فرصة الصغيرتين في البقاء على قيد الحياة ضئيلة جدا.
على الرغم من أن كندرا وماليا نجتا بأعجوبة من عملية الولادة بحد ذاتها، إلا أن حالتهما العصية على الطب تركت من حولهما في حيرة متسائلين عن المدة التي يمكن أن يعيشها التوأم، وهل سيتغلبان على الصعاب أم سينقضي أجلهما سريعا بشكل مأساوي؟
لم يكن من المتوقع أن يعيشا أكثر من 24 ساعة
من بين كل 200.000 حالة إنجاب، يولد توأم ملتصق واحد فقط، والكثير منهم لا ينجون من عسر الولادة. ومع ذلك، فقد نجحت الأختان هيرين في قضاء الليلة الأولى في المشفى بسلام، مما زاد من فرصهما في البقاء على قيد الحياة. جعلت صعوبة العيش بأعضاء حيوية مشتركة الأطباء يتوقعون أن 24 ساعة قد تكون أقصى فترة حياة للفتاتين، لكن مع مرور الأيام، أثبتت كندرا وماليا أن الخبراء مخطئون.
هل سيواصل التوأم في تحدي ظروف حياتهما الصعبة، أم أن النهاية باتت قريبة؟ لم يكن الاستمرار في عيش حياة طبيعية وصحية ممكنا في مثل هذه الحالة، فما الذي يستطيع الأبوان والأطباء فعله لمنحهما فرصة أفضل؟
صعوبة اتخاذ القرار النهائي
قضى التوأم الملتصق كندرا وماليا هيرين سنواتهما القليلة الأولى بلا أي فرصة للانفصال. كانا يعيشان كل لحظة معا، فتعرضت أعضائهما المشتركة لمضاعفات طبية خطيرة كانت تزداد سوءا مع مرور الوقت. هنا، كان الوالدان جيك وإيرين أمام قرار حاسم: هل يتركان بنتيهما ملتصقتين مدى الحياة فيندمان على ذلك فيما بعد؟ أم يجب أن يخضع التوأم لعملية فصل محفوفة بالمخاطر؟ لقد كان أصعب موقف مخيف عاشاه على الإطلاق.
لم يكن أي من الخيارين مضمون النتائج، مما أوقع جيك وإيرين في حيرة من أمرهما طوال الأيام التالية. ولأن مستقبل البنتين كان على المحك، فقد اضطرت عائلة هيرين للمشي قدما في طريق غير مؤكد.
خلاف حول ما ينبغي القيام به
إنجاب التوائم الملتصقة أمر نادر الحدوث، وقرار الفصل بينهم ليس بالأمر الهين اتخاذه في أي عائلة. فعلى الرغم من تقدم التكنولوجيا الطبية، وجدت عائلة هيرين نفسها عاجزة عن المقارنة بين مخاطر وفوائد هذه العملية الجراحية للطفلتين اللتين بلغتا من العمر الآن أربع سنوات. وبعد مشاورات لا حصر لها مع الأطباء، وحيرة طالت أكثر من المطلوب، تم حسم القرار في النهاية: هاتان الفتاتان لا تستطيعان عيش حياتهما ملتصقتين إلى الأبد.
تحلت الأبوان بالثقة والإيمان، واختارا الإقدام على جراحة الفصل المحفوفة بالمخاطر. وإلى جانب أنه كان قرارا سيغير حياة التوأم إلى الأبد، فقد كان ضروريا لعائلة هيرين كلها.
فصل التوائم قد يؤدي إلى الوفاة
يعتبر فصل التوائم الملتصقة إجراء طبيا في غاية الخطورة والتعقيد. وفي حالة كندرا وماليا اللتين كانتا تتشاركان في أعضاء حيوية متعددة، فالعملية بالتأكيد أكثر صعوبة، خاصة أن لديهما معا كلية واحدة لا غير، وهي حالة كانت تهدد حياتهن بشكل كبير. شرحت كندرا الموضوع لاحقا حين تحدثت عن مخاطر عملية فصلها عن أختها عبر قناة يوتيوب الخاصة بهما، مؤكدة أن وجود كلية واحدة لشخصين، أمر مستحيل. وعلى الرغم من هذه التحديات، أدركت عائلة هيرين أن فصل التوأم كان ضروريا لصحتهما وحياتهما في المستقبل.
لم يكن قرار إجراء لعملية سهلا، لكن في النهاية، كان الأمر يستحق العناء، لأنه قد يمنح البنتين فرصة في مستقبل أكثر بهجة. فكيف كانت النتيجة؟
كيف تشرح لتوأم من الصغار أنهم على وشك الانفصال
كانت البنتان في سن صغير عندما وجد الوالدين نفسهما في موقف عصيب: عليهما أن يشرحا للطفلتين معنى الخضوع لعملية فصل جراحية. حاولت ماليا وكندرا فهم الموضوع لكنهما كانتا أصغر من استيعاب المخاطر التي تنطوي عليها العملية. وكما روت كندرا على قناتها على يوتيوب فكل ما عرفته هي وأختها أن الأبوين طمأنهما بأن كل شيء سيكون على ما يرام بعد "يوم الفصل".
كانت تلك لحظات صعبة، لكن مازال بانتظار الفتاتين طريق أكثر صعوبة قبل الاستعداد لإجراء العملية.
التحضير لجراحة تغير الحياة
أراد والدا الفتاتين التأكد من تحضير الصغيرتين بشكل جيد قبل دخولهما المستشفى لإجراء جراحة ستغير حياتهما تماما. "كانت لدينا غرفة دمى وألعاب خاصة بنا، في المشفى، وحصلنا أيضا على أشياء تخص الممرضات". كان من الواضح أن العاملين في المستشفى يبذلون قصارى جهدهم لجعل الصغيرتين تشعران بالراحة، ولكن نتيجة الجراحة مع ذلك لم تكن معروفة حتى يوم حدوثها.
في الواقع، كل ما أراده الأب والأم في هذه الفترة، هو أن ترسم الفتاتان ذكريات ممتعة في الأيام التي تسبق الجراحة، لا سيما أنها قد تكون أيامهما الأخيرة معا.
عملية لتمطيط الجلد كل أسبوع
صحيح أن الكثير من التحضير الذهني كان ضروريا قبل هذه الجراحة، ولكن الاستعدادات الطبية كانت بنفس الأهمية أيضا. إنهما فتاتان ملتصقتان، وهذا يعني أنهما تتشاركان مساحات كبيرة من الجلد. وقبل أن يتمكن الأطباء من فصلهما، كان عليهم التأكد من أن الجسدين سيتحملان ذلك. "كل أسبوع، كنا نحقن بشيء يسمى موسعات الأنسجة، التي كانت مثل بالونات صغيرة يتم وضعها تحت الجلد بحيث يتمدد حتى يكون لدينا ما يكفي منه".
كان هذا مؤلما للغاية والعملية غير مضمونة النتائج بعد. وعلى الرغم من أنهما كانتا صغيرتين جدا، تقول كندرا وماليا إنهما يتذكران هذا الإحساس.
الاستعداد للسيناريو الأسوأ
كلما اقترب الموعد المخيف للعملية الجراحية لفصل التوأم الملتصق، كان الوالدان يجتهدان لفعل ما سيفعله عادة أي أبوين محبين. لقد أمطرا صغيرتيهما بمزيد من الحب وحرصا على قضاء وقت عائلي كاف معهما. تقول كندرا إن الأسبوع الذي سبق العملية كان أفضل ما مر عليهما على الإطلاق، حيث كان مليئا بالنزهات العائلية الممتعة وزيارة حديقة الحيوان والمسبح. كان الهدف كما قلنا هو خلق ذكريات جميلة، حتى في حالة حدوث الأسوأ.
وأخيرا، جاء اليوم الموعود اليوم الذي ستفترق فيه الفتاتان، وسيتغير عالم العائلة إلى الأبد.
الجميع يشعرون بالتوتر في يوم الجراحة
قبل أسبوع من الجراحة، تم إحضار الفتاتين إلى المستشفى للتعود على غرفتهما، ولكي يتعرف الفريق الطبي عليهما. لكن الأسرة لم تستطع التخلص من القلق والخوف طوال تلك الأيام. وأخيرا، جاء "يوم الفصل" وتعلقت المشاعر بالأمل أثناء نقل التوأم نحو غرفة العمليات، سالت الدموع في صمت، وكان الجميع في خوف وشوق لما ينتظرهم.
لقد كان يوما سينتهي بأحد الخيارين: إما وداع نهائي لتوأم محبوب إلى الأبد، أو الترحيب بفتاتين منفصلتين تماما عن بعضهما البعض.
أخيرا حان وقت الانفصال
مع حلول الموعد الذي سيخضع فيه التوأم لعملية جراحية مؤلمة، كانت أحداث الأسبوع الماضي ـ أثناء التحضير للجراحة ـ قد أنهكت الوالدين تماما. لتخفيف الوطأة، تم نقل التوأم إلى غرفة العمليات عن طريقة لعبة مطاردة لطيفة. شاركت كندرا متابعي قناتها هذه القصة قائلة إنها ـ وأختها ـ لم تكن لديهما أي فكرة عما كان يحدث، حتى وصلا إلى الملاذ النهائي فوجدا نفسيهما في قاعة الجراحة.
تبادلت الأسرة نظرات الوداع وتلت أدعيتها الأخيرة، وقام جيك وإيرين بحضن الطفلتين ومنحهما قبلات لطيفة قبل المرور عبر البوابة النهائية إلى غرفة العمليات.
بعد 26 ساعة عصيبة
تقول ماليا وكندرا أنهما شعرتا وكأن العملية دامت ساعة واحدة فقط، ولكنها استمرت في الواقع 26 ساعة مؤلمة. عمل ستة جراحين ماهرين و25 من موظفي التمريض والدعم، بلا كلل ولا ملل لفصل التوأم من منطقة الجذع، وترك كل منهما بساق واحدة. كانت فترة ما بعد الجراحة شاقة بنفس القدر، حيث اضطرت الفتاتان لقضاء ثلاثة أشهر في المستشفى لضمان نتيجة ناجحة وطويلة الأجل.
كان الطريق إلى التعافي مخيفا، لكن العائلة كانت محظوظة لأنها وجدت حولها الكثير من الداعمين خلال هذا الظرف الصعب. ومع ذلك، لم يعرف أحد كيف ستتعافى الفتاتان بعد فصلهما.
أصبحت قصتهما نشرة أخبار وراسلهما الكثير من المعجبين
أثرت قصة التوأم هيرين في قلوب الكثيرين في مدينة سولت ليك وخارجها، حتى ممن لا يعرفون الفتاتين شخصيا. وعن هذا تقول ماليا: "تلقينا رسائل كثيرة من المعجبين أثناء وجودنا في المستشفى. ومازالت لدينا بعضها". وطوال فترة الاستشفاء، زارهما الكثير من الأحبة والمعارف، ثم تم الترحيب بهما في المنزل باحتفال كبير يوم عودتهما.
لكن الصعوبات لم تنته تماما، خاصة بالنسبة لماليا. ففي الواقع، كانت هناك رحلة عصيبة أخرى على وشك البدء.
ماليا تعيش بلا كلية
بسبب وجود كلية واحدة فقط مشتركة بينهما، كان على الفريق الطبي اتخاذ قرار صعب. وهكذا تركت الكلية في جسد كندرا، بينما خضعت ماليا لعمليات غسيل كلوي لمدة تسعة أشهر حتى تبرعت لها والدتها بكليتها. سار كل شيء على ما يرام لسنوات، لكن فجأة، بعد عقد من الزمان، بدأ جسد ماليا يرفض كلية والدتها، فكان عليها العودة إلى غسيل الكلى، وانتظار حل آخر في المستقبل.
لم يحسم الأطباء كيف ستتطور حالة ماليا الصحية جراء هذا الطارئ، والوقت الذي ستضطر فيه للخضوع لهذا العلاج المؤلم، ولكن كان هناك شيء واحد مؤكد: الفتاة بحاجة إلى كلية أخرى وبسرعة.
متبرع مجهول أنقذ حياة ماليا
اضطرت الطفلة الصغيرة لتحمل غسيل الكلى لمدة 18 شهرا أخرى، بينما كان اسمها على قائمة انتظار التبرع بالأعضاء. ظلت تتمتع بروح إيجابية حتى أن والدتها أعربت عن إعجابها بقدرة ابنتها على الصمود، مكتسبة الكثير من الأصدقاء الأطفال الذين كانوا مضطرين أيضا للخضوع لغسيل الكلى. وبعد انتظار طويل، قدم متبرع مجهول كليته للصغيرة، مما سمح للماليا بالتوقف عن عملية الغسيل والحصول على فرصة أخرى في هذه الحياة.
ورغم الفرح بقرب إجراء عملية زرع أخرى في المستقبل القريب، كانت هناك شكوك ومخاطر تطفو على السطح، فماذا لو كان جسدها سيرفض هذه الكلية أيضا؟
ماليا وعملية زرع أخرى
كانت عائلة ماليا خائفة عليها كثيرا، ولا أحد يعرف كيف ستنجو من هذا مرة أخرى. لقد تركت في البداية بدون كلية، ثم تبرعت لها والدتها فحصلت على كلية لمدة عشر سنوات قبل أن تفقدها من جديد. والآن ليس لديها خيار آخر سوى تحمل عملية الزرع الثانية على أمل ألا تكون هناك مضاعفات هذه المرة. ولكن القول أسهل من الفعل، لأن الصعوبات في الحقيقة لم تتوقف عند هذا الحدّ.
نجحت عملية الزرع الثانية، ولكن الكلية الجديدة بدت وكأنها "معطلة" فقد أصيبت بجفاف شديد مرتين، ثم تفاقم الوضع بجرعة دوائية غير صحيحة، غير أن الفتاة تمكنت من البقاء على قيد الحياة.
كونك شخصا مستقلا قد يشعرك بالغرابة
رابط التوائم لا مثيل له، فماذا لو كان هذا الارتباط بشخص آخر نفسيا وجسديا. بالنسبة إلى كندرا وماليا، كان الشعور بالاستقلالية المفاجئة غريبا تماما، لكنهما ممتنتين للأم والأب اللذين اتخذا القرار الصعب بالفصل بينهما في سن صغير في عملية جراحية غيرت حياتهما. وعلى الرغم من العديد من المخاطر التي رافقتها، فقد كانت عملية ناجحة في النهاية، ونتائجها أثبتت أن الفتاتين قادرتين على الكفاح سواء منفصلتين أو على اتصال.
الآن، يمكن للفتاتين الاستمتاع بحياة منفصلة ومتابعة هواياتهما الخاصة كل على حدة، وهو أمر لم يكن أحد يتوقعه في بداية المشوار.
الحياة في المدرسة الثانوية
لم تكن مواصلة النمو من الطفولة إلى المراهقة أمرا مضمونا، ولم يكن الأبوان متأكدين ما إذا كانت الفتاتان ستتمكنان يوما من بلوغ المدرسة الثانوية. لقد فعلتا ذلك وهما بصحة جيدة وتعيشان حرية واستقلالية لم يسبق لهما اختبار مثيل لها من قبل. كانتا تستيقظان كل يوم وتتوجهان إلى المدرسة بمساعدة الأصدقاء. درسا وتجولا في المدرسة، وعادا إلى المنزل بل وصنعا العشاء بمفردهما.
لم يعتقد أحد من قبل أنهما ستحصلان على هذا المستوى من الاستقلالية ذات يوم، لذلك كان هذا إنجازا عظيما.
صعوبة التحرك
الآن، بعد أن أصبحتا منفصلتين، كان على الفتاتين أن تكونا مبدعتين في استخدام أجهزة التنقل في المنزل أو المدرسة. كانت فكرة والدهما البارعة هي استخدام مقاعد طبية لكونها واحدة من أسهل الطرق للتجول خاصة في المنزل. لكن خارجه، ما زالت الفتاتان بحاجة إلى إيجاد بديل مناسب وطويل الأمد. فما الذي يمكنهما استخدامه لهذا الغرض؟ حسنا، لقد وجدا الحل المثالي.
سواء كان الأمر عبارة عن رحلات إلى مدن الملاهي أو الحفلات الموسيقية، فقد كانت الدراجات الكهربائية هي وسيلة التنقل المثلى. أما للمسافات الأقصر، مثل التنقل إلى المدرسة الثانوية، فقد استخدما أجهزة المشي.
تعلم المشي هو النشاط الأصعب القادم
آمنت المُدربة "دونا" بإمكانيات الفتاتين كندرا وماليا، على الرغم من القيود الجسدية التي تكبلهما. ورغم الضعف الشديد الذي شعرا به في البداية، ولكن بتشجيعها، وضع التوأم هدفا نصب أعينهما: المشي بسهولة بالاعتماد على عكازين بحلول نهاية العام الدراسي. وقد عملتا بلا كلل ولا ملل من أجل تحقيق ذلك، وعندما تمكنا من ذلك أخيرا، كانت لحظة انتصار للجميع.
خلال وقت قصير، صار بإمكان الفتاتين المشي باستعمال عكازين، وحتى صعود الدرج في المدرسة. لقد قطعا بالتأكيد شوطا طويلا من المعاناة للوصول إلى هذه النقطة.
هل ستكون المدرسة فضاء آمنا؟
يمكن أن تكون المدرسة، خاصة في المرحلة الثانوية، صعبة على البعض، ورغم ذلك وجدت كندرا وماليا طريقة للتألق فيها بأمان. لقد انتهت التحديات التي رافقت كونهما توأما ملتصقا وبدأ عهد جديد من الاستقلالية، غير أن اختلافهما وتنقلهما إلى المدرسة مشيا أثار مخاوف بشأن إمكانية تعرضهما للتنمر، لكن هذا لم يحدث وهو شيء يشعران بالامتنان الكبير حياله. لقد ألهمت نظرتهما الإيجابية للحياة الكثير من الناس، مما يثبت أن كل شيء ممكن إذا تحلينا بروح الكفاح.
لقد كان القلق ينتاب الأسرة بشأن ما سيحدث في المدرسة الثانوية. هل يمكنهما تكوين صداقات جديدة؟ هل سيحضران كافة الأنشطة التي يستمتع بها جميع الأطفال الآخرين؟
الأصدقاء في وقت الشدائد
لطالما تعامل الأقران مع كندرا وماليا هيرين مثلما يعاملون أي صديق آخر، وهي حقيقة يشعر حيالها التوأم بالامتنان الشديد. فبرغم حالتهما الجسدية الفريدة من نوعها، لا يكاد الأصدقاء يلاحظون أن لكل منهما ساق واحدة فقط. بل إن احترام وتقدير شجاعة التوأم هو الشعور السائد.
تقول أنابيل وهي إحدى صديقات كندرا وماليا: "لقد علمني هذا التوأم الكثير عن تحمل مصائب الحياة بشجاعة". معترفة بأنها ليست واثقة ما إذا كان يمكنها تحمل ما مرت به الفتاتان.
لكن تحيات الحياة لا تنتهي، صحيح؟ وقد واجهت الأختان موقفا عصيبا آخر، لم تكن قوة علاقتهما كافية للتغلب عليه. فما هذا التحدي وكيف سيتمكنان من تجاوزه؟
التحدي التالي: قيادة السيارة
قد يكون تعلم القيادة مهمة شاقة بالنسبة للكثيرين، فهي بمنزلة الاختبار النهائي لقدرتهم على التغلب على المخاوف. حينما بدأت هذه القصة، كان أمل الأب والأم ضئيلا عند التفكير في مستقبل بنتيهما. لكن ماليا وكندرا كانتا على قدر المسؤولية، مستعدتين لتحمل أي شيء. لذلك لم يكن مفاجئا أن يقدما على خطوة تعلم القيادة. هل كان ذلك ممكنا، وكيف نجحا في ذلك؟
كانت الثقة في النفس التي يتحليان بها قابلة للتمدد إلى مجالات أخرى من الحياة، ومهما كانت صعوبة التحديات الجديدة. وهكذا رسما مسارهما الخاص وسارا فيه غير مباليتين بمختلف العراقيل التي قد تعترضهما في الطريق.
نظرة إيجابية للحياة بالرغم من الصعوبات
لقد عايش هذا التوأم العديد من التحديات، لكن نظرتهما للحياة ظلت إيجابية ثابتة لا تزحزحها قساوة الظروف. "إن امتلاك ساق واحدة يعني لنا أنه يتعين علينا فقط طلاء خمسة من أظافر القدم فقط، وهذا أمر رائع"، كما قالا مازحتين خلال مقابلة صحفية. هذه الثقة بالنفس والروح المتفائلة ملهمة حقا. "الثقة التي لديهما أذهلتني جدا، ونحن جميعا يمكن أن نتعلم الكثير من الأشياء منهما"، تصف والدتهما شعورها حيال الأمر.
سوف تسعى كندرا وماليا إلى الحفاظ على موقفهما الإيجابي من الحياة، رغم أن كل يوم يأتي بتحديات أخرى تهدد بتحطيم معنوياتهما. ولا ندري هل سيتغلبان على مختلف العوائق في عالم لا يتكيف بسهولة مع الأشخاص ذوي الإعاقة؟
دعوة لإدماج الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة
بفضل قصتهما الملهمة، أصبح التوأم هيرين من المدافعين عن حقوق ذوي الإعاقة. وقد حولا منصتهما الإلكترونية إلى صوت مؤثر يدعو لتعزيز إدماج هذه الفئة، بتشجيع الآخرين على طرح الأسئلة ومناقشة الآراء حول تجاربهم. وعن هذا تقول كندرا: "لا تخف من التحدث إلى أي شخص، لكن كن محترما وواضحا أثناء ذلك". ليس من السهل أن تكون محور اهتمام الناس الذين يحدقون بك وينتظرون كلماتك، لكن التوأم يستطيع تدبر أمره.
ومن خلال عملهما في هذا المجال، يأمل هذا الثنائي أن يسهما في تغيير العالم نحو الأفضل وجعله أكثر تقبلا للجميع. وعلى الرغم من إعاقتهما، يثبتان أن بإمكانهما القيام بأشياء لا يمكن لأي شخص القيام بها.
منجزات تحققت وأحلام في الطريق
في عام 2022، حققت الفتاتان إنجازات باهرة لم يظن أحد أنهما قادرتين عليها. لقد بلغا العشرين من العمر ويعيشان حياة مستقلة تماما. عملت كندرا أمينة حسابات في محل تجاري بعدما حصلت على شهادة دراسية عندما كانت تبلغ من العمر 18 عاما. وفي الوقت نفسه، تخرجت ماليا مؤخرا من كلية ديفيس التقنية متخصصة في الوسائط الرقمية، وهي ترغب في دخول عالم تصميم الغرافيك. ومازالت هناك الكثير من الأحلام نصب أعينهما.
وبينما يتطلعان بشوق إلى المستقبل، مازال القليل من الخوف يتسلل إلى قلوب ذويهم: هل تستطيع الفتاتان الاستمرار في تحدي الصعاب وعيش الحياة على أكمل وجه، أم أن المتاعب الماضية قد تعود إليهما؟
جسد واحد ولكن بشخصيتين مختلفتين تماما
إنهما توأم، لكنهما مقتنعتان أنهما لا يشبهان بعضهما البعض. ورغم أنهما ولدتا ملتصقتين، إلا أن الاختلاف بينهما واضح وجلي، فمن الطبيعي أن تكون إحدى الأختين أكثر انفتاحا بينما تكون الأخرى أكثر انطوائية. لكن هذا لا يمنعهما بالطبع من نسج روابط صداقة وتفاهم. وهذا بالتحديد سبب امتنانهما لعملية الفصل، حيث كان من الصعب أن يعيشا حياة ذات اهتمامات مختلفة لو ظلا عالقين في جسم واحد.
هما في النهاية أختان، تشاركتا الكثير في السابق معنويا وجسديا. ولذا فالشخصية المختلفة التي تطبع تصرفات كل منهما ليست إلا تعبيرا آخر عن التنوع والتميز الذي سيجد فرصة للظهور في المدرسة بالطبع!
الحياة ليست سهلة طوال الوقت
لقد تغلبت ماليا وكندرا على تحديات لا تصدق، في سبيل عيش الحياة على أكمل وجه. ولكن، أليس هذه هي طبيعة الحياة؟ لا يمكن للسماء أن تكون مشرقة بالشمس أو ملبدة بالغيوم طوال الوقت. المشكل أنه، في أي لحظة، قد يجدان نفسهما في المستشفى مرة أخرى يكافحان من أجل أبسط الأمور. وقد حدث هذا من قبل، عندما كانت كندرا على وشك الالتحاق بالمدرسة، فإذا بها تتعرض لعدوى خطيرة.
خضعت لعملية جراحية عاجلة، وبقيت في المستشفى طوال الأيام القليلة التالية، للمساعدة في إزالة العدوى. وكان هذا تذكيرا بأن الأمور قد تسير على ما يرام بالنسبة للفتاتين معظم الوقت، ولكن من المهم ألا ننسى أن رحلتهما لم تنته بعد.
هكذا أطلقا قناة على يوتيوب لمشاركة تجربتهما
لوسائل التواصل الاجتماعي قوة لا يمكن إنكارها، وقد جربت كندرا وماليا ذلك عن طريق فتح قناة على يوتيوب للحديث عن تجربتهما الشخصية، التي سرعان ما تحولت إلى منصة لمشاركة قصتهما الملهمة مع العالم. إنهما يحبان رسم الابتسامات على وجوه الناس، عن طريق التعبير عن كل شيء، حتى الجوانب "الطريفة" من حياتهما اليومية، والتي لا يستطيع الناس رؤيتها دائما أو لا يعرفونها من الانطباع الأول.
من كان يظن أن إنشاء مقاطع فيديوهات على يوتيوب سيكون له مثل هذا التأثير على الحياة؟ لكن بعد التجربة، اتضح أنه المكان المثالي بالنسبة لهما.
ثقة عجيبة في النفس عززتها وسائل التواصل الاجتماعي
لقد قطعت كندرا وماليا شوطا طويلا في دروب الحياة. ومنذ أن بدأتا قناتهما للحديث عن حالتهما الصحية وحياتهما الخاصة، تحسنت ثقتهما كثيرا. لقد أثرت مقاطع الفيديو التي ينشرانها على حياة الناس في جميع أنحاء العالم مما جعلهما مصدر إلهام للكثيرين، رغم أنهما لم يظنا يوما بأن لديهما القدرة على الوقوف أمام الكاميرا، لكن ها هما الآن لا يمكنهما تخيل الحياة بدونها.
من جهة أخرى، من المؤكد أن الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي يجلب أيضا ردود فعل عنيفة أو تعليقات وقحة. فكيف يبقى الإنسان إيجابيا وهو يمر بكل هذه المحن؟
كزهرتين تتفتحان رغم المصاعب
صحيح أنهما تغلبتا على عقبات هائلة، لكن رحلتهما في الحياة لم تكن خالية من الجوانب السلبية، على الرغم من إيجابيتهما التي لا شك فيها. هل ستصمد حالهما الصحية في المستقبل؟ هل سيواصلان مواجهة التمييز في عالم لا يرحب دائما بذوي الإعاقة؟ لا ندري، ولكن الزمن كفيل بأن يعطيهما ـ ويعطينا ـ جميع الإجابات.
نعم، المستقبل غير مؤكد، لكن ما نعرفه هو أن الأختين هيرين قد أثبتا بالفعل أنهما قادرتين على الكفاح والتحلي بالأمل والإلهام.
من النجاة بأعجوبة إلى التخرج من الجامعة
رغم كل الصعاب، حصل التوأم على فرصة ضئيلة للبقاء على قيد الحياة عند الولادة. لكنهما اليوم تجاوزا التوقعات وتغلبا على تحديات قد يجدها الكثيرون في غاية الصعوبة. ومنذ كان جسدهما ملتصقا، إلى حياتهما الحالية كفتاتين مستقلتين في ريعان الصحة والشباب، كانت رحلتهما مثيرة وملهمة: فقد تمكنت كلتاهما من التخرج الدراسي والنجاح. وهذا لوحده أمر غير يسير لم يكن أحد من الأسرة يتوقع حدوثه.
من كان يتخيل أن الصغيرتين اللتين كانتا في يوم من الأيام مجرد جسم صغير يحتاج إلى أقصى درجات الرعاية، ستصلان إلى هذا المستوى؟ إن التوأم هيرين يعتبر بحق مثالا على التحدي والمثابرة وقوة الروح البشرية.
التغلب على العراقيل والاستمتاع بالحياة
تذكرون أن الأطباء منحوهما 24 ساعة فقط للبقاء على قيد الحياة؟ لكن طفلتينا تجاوزتا دربا مليئا بالأشواك وها هما على مشارف العشرينات من العمر. وعلى الرغم من التحديات العديدة التي واجهاها، فإن حياتهما مليئة بالبهجة والمرح: يخصصان وقتا للتسكع مع الأصدقاء وحضور الأنشطة المدرسية وتكوين ذكريات لا تنسى. حتى أنهما يعملان في وظائف بدوام كامل، ويتشاركان كل شيء مع زملائهما في العمل. ورغم إعاقتهما، فإنهما يعيشان حياة ممتعة كانت تبدو ذات يوم من سابع المستحيلات.
لقد أظهرت الفتاتان قدرتهما على العيش بصحة وسلامة، ومتابعة التعليم، وتكوين الصداقات، والاستمتاع بالحياة على أكمل وجه. فماذا يا ترى يمكن أن يكون التحدي التالي للأختين المكافحتين؟
هما الآن في العشرينات من العمر
يقال إن الحياة تبدأ في العشرين، ولا شيئ أكثر صحة بالنسبة لماليا وكندرا من هذا. فبعد أكثر من عشر سنوات على عملية الانفصال، وعدد لا يحصى من العمليات الجراحية وزرع الكلى، دخلت الفتاتان رسميا العشرينات من العمر، وهما على استعداد لمواجهة كل تحديات الحياة الجديدة، على الرغم من أن هذا ليس بالأمر السهل. لقد تغلبت ماليا وكندرا بالفعل على الكثير من العوائق، لكن كيف يمكنهما التعامل مع هذه المرحلة الجديدة من حياتهما؟
هل ستمنحهما خبراتهما المشتركة السابقة ما يكفي من القوة للتعامل مع أي صعوبة تعترض الطريق؟ الزمن فقط كفيل بأن يعطينا الإجابة، لكننا نتوقع لهما النجاح في كل خطوة.
لا شيء سيقف في طريقنا
لقد أثبتت كل من ماليا وكندرا على مدى هذه السنوات أنه لا يوجد شيء لا يمكنهما فعله. ورغم كل التحديات والعراقيل التي كانت في طريقهما، فقد ثابرت الفتاتان حتى وجدتا طرقا ليس لعيش الحياة فقط، بل والاستمتاع بها على أكمل وجه. قد يشفق البعض على أن حالتهما الصحية ويقول إنهما لا يستطيعان المشي أو السباحة أو قيادة السيارة. لكن ماليا وكندرا يرفضان السماح لأي شخص آخر بالتدخل في حياتهما. لقد حظيا بنصيبهما العادل من الإيجابي والسلبي، ولم يتوقفا أبدا عن الكفاح.
لقد أثبتت ماليا وكندرا بالفعل أن بالإمكان تغيير الحياة نحو الأفضل. قبلا التحدي بصبر وحولا ظروفهما الصعبة إلى فرص مشرقة، وبذلك، فقد ألهمانا جميعا لفعل الشيء نفسه.